التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مشاهد من الأرض






المشهد الأوّل:
الأجواء ربيعيّة، أطفال يركبون السّيارة مع جدّهم، والد أبيهم، يسمعون صوته وهو يقود سيارته، ويرون منه فقط شيب شعره. صوت الراديو المنخفض في الخلفية، والأطفال يستمعون إلى جملة كررها جدّهم كلما كانوا معه في السّيارة: "كلما بتشوفوا شجر صبر، اعرفوا إنه هون كان في قرية فلسطينيّة، تهجّروا أهلها".

المشهد الثّاني:
تذهب مع ورقة في يدها بخط طفلة إلى أبيها الجالس على كنبته في صالون البيت. "بدي أقرألك قصيدة"، قالت له، "قصيدة عن الأرض"، تابعت. ثم قرر والدها أن ينشر "قصيدتها الأولى" في إحدى الجرائد. اليوم، أصبحت الطفلة في الثلاثين من عمرها، ولا زالت ورقة الجريدة الأصليّة موجودة، ومنها نسخ كان قد صورها جدّها، ليتسنى لكل من يحبّ أن يحتفظ بها.

المشهد الثّالث:
جدّها، والد أمها، يعود إلى قريته المهجّرة، إلى أرضه الأولى، ميتًا في تابوت.

المشهد الرّابع:
أعلام مرفوعة، هتافات، وجوه مألوفة وجديدة. تعود إلى البيت، لتخبر والدها الذي أتعبه المرض، عن الأمل.

المشهد الخامس:
تزور قبر والدها، لترى الحقيقة من جديد. وتقول للتراب: أصبحت أكثر ثراءً بجسده.. وللذاكرة: أصبحت أكثر عطرًا حين احتضنتيه. هكذا كتبت لها على شاهد قبره.

المشهد السّادس:
تعيد رسم شكل الأرض الحقيقيّة، بالحبّ.. والحبّ مقاومة.

المشهد السّابع:
بيت في عكّا، لا زال فيه مسجلٌ قديمٌ، وكاسيتات كُتب عليها بخطّ والدتها في سنوات السّبعين: "جورج قرمز".. الصّوت الذي لم تعرف وجهه، كان يغنّي عند بدايات الرّبيع: "يلا يا عشاق الأرض.. نكمل هالمشوار".. المسجّل لم يعد صالحًا للاستخدام. رموه في الزبالة. والكاسيت بدّله اليوتيوب والساوند كلاود، "وعشاق الأرض" في أماكن عديدة، يبحثون عن بعضهم البعض، كي يتحدثوا سويةً عن أحلامهم الحيّة تحت الأنقاض.. ويرفعون كؤوسها عاليًا.


تعليقات

  1. كان بوسعك ترتيب المشاهد تصاعديا ودراميا -مع التوحيد في الشخصية- بحيث تُنجّز قصة قصيرة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها