التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تفاصيل في ظل الإنتفاضة/ رشا حلوة


لعلّ "الانتفاضة" من الحالات الإنسانيّة الوحيدة التي تحتضن داخلها نفس المشاعر على مرّ التاريخ، مهما عاش التاريخ من تفاصيل، ومهما تغيّر عمر الشخص الذي اعتاش ويعتاش هذه المراحل. وهي تختزل مشاعر الحياة كلّها في مشهد أو مشاهد عديدة. والأهم، أنّها من الحالات الإنسانيّة التي تشيل الغبار عن حقيقة الإنسان ومشاعره المتنوعة. وإنّ لم تكشف عن حقيقته علنًا، على الأقل ينام الإنسان ليلًا، إنّ جاز النوم، وهو يعرف من يكون.
إنّ هذه المشاعر، موحّدة بأسمائها، لكن، بإمكاننا أنّ نكتب عن كل منها قصّة، أو ببساطة، أن ننظر حولنا وداخلنا قليلًا، خاصة في هذه الأيام التي تحتضن المشاعر كلها، بتناقضاتها، فنجد مليون قصّة وقصّة.
الغضب
هو أن تستيقظي من النوم، ولا يكون قد تغيّر شيء، عدا الأرقام؛ رقم اليوم ورقم الشهر ورقم السّنة. أن لا يكون قد تغيّر شيء إلا تفاصيل صغيرة ذاتيّة. لا أقلل من أهميتها الآن. ولكن أنّ لا تتحقق أمنياتك اليوميّة والمستمرة؛ أمنيات مرتبطة بالعدالة والجمال. وأحيانًا، يحدث، كما في أيامنا هذه، أنّ يتحوّل الغضب إلى فعل جماعيّ، كأنّ الجميع يحمل غضبه معه ويلتقي به مع الآخرين، مع أحلامهم الفرديّة، التي تلتقي بدوائرها بأحلام الجماعة. الغضب، في مثل هذه الحالة، يتحوّل إلى أسمى المشاعر وأكثرها حبًّا. الغاضبون هم عشاق الحياة أولًا.
الخوف
أن تشعري للمرة الأولى بالخوف الذي نُقل لك عبر ذكرى الناس والكتب. هذا الخوف الموروث منذ أضعاف وأضعاف سنوات عمرك. الخوف هو أن تسألي نفسك، بلحظة تفكيرك بأسوأ السيناريوهات الممكنة : "كيف استطاع الذي سُرق وهُدم بيته وهّجّر منه أن يحمي حلمه/نا حتى يومنا هذا؟".
القلق
أنّ نموت قبل أنّ تتحقق أحلامنا.
الفرح
شباب ملثم في العشرينات من عمره، وفي "عز الظهر" وتحت شمس تشرين، يلتفون حول طاولة خشبية غير كاملة، عليها كعكة عيد ميلاد أحدهم. رفعوه على أكتفاهم، وهو يرفع شارة النصر، وهم يقولون: "هيــــه! سنة حلوة!".. أنزلوه، ومن ثم قال: "شباب.. لا في معالق ولا صحون ولا شي.. بأصابيعكم".. أكل الجميع من الكعكة بعد أن سألوه: "شو أمنيتك؟"، لم تكن إجابته واضحة في التصوير. الشباب الذي لثّم وجهه بالكوفيات، وضع عليها أيضًا قبعات حفلات عيد الميلاد الملوّنة، وغنّى له: "عيد ميلاد الليلة مين؟".. لم نر وجه أحد منهم، لكن وصلتنا كلّ الابتسامات.
الأمل
صورة لاعتقال فتاة من الناصرة في الخامسة عشر من عمرها. مواليد عام 2000، عام الانتفاضة الثانيّة. اعتقلتها الشرطة الإسرائيليّة خلال مظاهرة في مدينتها وهي تبتسم.
الحبّ
أنّ تعيشي لحظة خوف ما، ويكون لديك الحظّ بأن ثمة شخص تفكرين به في تلك اللحظة، رغم أنّه لا يمكنك التواصل معه لتحدثيه عنها، أو للأدق: لا ترغبين.. فهو غالبًا لن يشعر مثلك.. أو لا يشعر مثلك. لكنك، مع ذلك، لا زلتِ تفكرين به، وتبتسمين.
الشجاعة
أنّ تمشي خلف شعورك الداخليّ الرافض للواقع الذي تعيشينه، وتفعلي شيئًا من أجل تغييره، أنّ تمشي معه يدًا بيد، أنّ تدركي جيدًا بأنّ الطريق طويل، لكنك مع ذلك تمشي فيه.. أنّ تعيشي لحظات نصر قصيرة، ولربما مؤقتة، لكنك مستعدة للعيش من أجلها.
الأمان
هو السّؤال الدائم الذي يرافقنا منذ أنّ يرحل أحباؤنا عنا. هو أنّ تبحثي دومًا عن حضن تختبئن به بعد أن تكوني قد ركضت هرباً من قنبلة صوتيّة أو قنبلة غاز. وكل الأحضان لا تشفي الحاجة للأمان، لأن أحباؤك قد رحلوا.
الألم
أنّ يأتي خيالك صوت الطفلة الغزيّة الشهيدة رهف حسان، التي قُتلت بصواريخ الإف 16 الإسرائيليّة، وهي تسأل والدها: "ليش جبتني عَ العالم يابا؟".
الحياة
فيديو لشاب يحمل بيده مقلاعًا، وفي طريقه إلى رمي الحجر باتجاه جنود الاحتلال، كان يرقص الدبكة الفلسطينيّة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها