التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من رام الله إلى يافا... فلسطين ارتدت ثوب الحداد


رشا حلوة
عكا | لمحبيه من أبناء الأرض المحتلة وبناتها علاقة خاصة مع «النجم». والأهمّ أنّ حبّ الناس له لم يكن يوماً موسمياً، وكلماته لم تكن متعلقة بفترة زمنية وإنسانية محددة، بل هي حية منذ لحظة كتابتها حتى يومنا هذا. وبذلك، استطاع كشاعر أن يجعل الكلمة السياسية بمثابة سرد وجودي غير متعلق بزمكانية ما؛ فهي تحكي عن انتفاضة الخبز عام 1977، وتحكي عن ثورة «25 يناير» بالضبط. وحين قال: «وكلّ يوم في حبّك تزيد الممنوعات/ وكلّ يوم بحبّك أكثر من اللي فات»، كان يخاطب مصر، ولكنّ حبّه لـ«بهية» لم يختلف عن الحبّ لفلسطين ولم يحتج إلى كلمات أخرى للتعبير عنه.
قبل فترة قصيرة، انتشرت شائعة مفادها أنّ «الفاجومي» ينوي زيارة الضفة الغربية، وجرى تداولها على أنها خبر مؤكد مرفق بالعتب والمزايدات. لكن بعد يومين على الشائعة، نشرت ابنة الشاعر نوارة نجم «ستاتوس» عبر الفايسبوك نفت فيه الخبر، مؤكدة أنّ والدها صرح مراراً بأنه لن يزور فلسطين إلا بعد التحرير.
لم تغب فلسطين عن كلمته وحياته، ولم يفقد الأمل يوماً بأن التحرّر من الاحتلال آتٍ لا محالة، هو الذي قال بعد انتصار ثورة «25 يناير»: «يا إخوانا في فلسطين، إحنا جايين». عاشت فلسطين فيه وفي سفره على مدار حياته، وعاش في أهلها الذين وإن أقفل الاحتلال طرق بلدهم، لم يستطع أن يمنع قصيدة العمّ نجم بأن تصل إلى كلّ البيوت والقلوب. كان مشوار القصيدة من قلمه إلى فلسطين، هو التجسيد الحيّ لجملته: «يا فلسطينية وأنا بدي سافر حداكو».
لم يشاء محبّوه أن يرحل الفاجومي بلا كلمة وداع من فلسطين. بمبادرة عفوية، أقيمت مساء أمس الثلاثاء أمسية إكراماً لروح الشاعر في «مسرح الميدان» في حيفا بعنوان «فلسطين تودع أحمد فؤاد نجم»، تخللتها تأدية أغنيات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم بصوت الفنان الفلسطيني ألبير مرعب وابنته ماريا مرعب. علماً بأنّ ألبير خصص مسيرته الفنّية لتقديم أغنيات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم إلى الجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى قراءات من قصائد «الفاجومي» قدمها الفنان عامر حليحل. وفي رام الله، سيعقد بعد ظهر اليوم الأربعاء بيت عزاء للشاعر في «مقهى رام الله». وفي يافا، ستقام أمسية بعد غد الجمعة بعنوان «الخط ده خطي» في «مسرح السرايا» تتخللها إضاءة شموع لروح الشاعر، وعرض فيلم قصير يتناول حياته، مع مداخلة حول شعره، وقراءات من قصائده وأغنيات يقدمها عدد من الفنانين الفلسطينيين.
سافر «الفاجومي»، ولم يكذِّب أحد هذا الخبر، ولم يخرج هو بصوته بتصريح ساخر يشتم به الموت ويعلن من خلاله حبّه المتجدد للحياة. لكن «وبات الأمل سندباد في الخواطر/ وعاش الأمل في الجوانح مسافر»، هي الدروس الحيّة التي علمتنا إياه قصيدة العمّ نجم الذي لا يموت وإن «الغربة طالت كفاية» وأكثر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها