التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وجهاً لوجه | كاميرا المهمّشين


صورة من المعرض

رشا حلوة

«لذكرى أولئك الذين لم يعودوا»، ليس من الحرب وساحة المعركة، بل من العمل... قرّر محمد بدارنة (عرابة، الجليل ـ 1987) توجيه عدسة كاميرته إلى العمّال والكادحين في الأراضي المحتلة عام 1948. هكذا، ذكّرنا بأكثر من 60 عاملاً يموتون سنوياً من دون أن يلتفت إليهم أحد في معرضه «ترجعوا بالسلامة». حول أهمية عرض أعمال فنانين فلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 في عمّان والعواصم العربية المتاح زيارتها، يقول بدارنة لـ «الأخبار»: «هذه المعارض رسالة لنا كفنانين فلسطينيين في الداخل، من أجل التأكيد على وجود مساحات حرّة وجميلة للعرض. لسنا بحاجة إلى ختم من تل أبيب كي نكون في معارض مهمة، أو أن نكون مكياجاً لتجميل وجه إسرائيل».
بدأت فكرة العمل على المعرض مع موت أصدقاء بدارنة، مثل حمادة علاء الدين الذي دُفن تحت الرمل، ونضال شاويش ابن الحيّ الذي تسكنه عائلة المصور في قرية عرابة، والعديد من العمّال الذين لقوا حتفهم أثناء البحث عن لقمة العيش. يضيف بدارنة: «ما دفعني أكثر إلى ذلك هو اكتشاف ابتعادي عن طبقة العمال والكادحين. أنا ابن عامل، لكني لا أعرف عن حياة العمال سوى قشورها. نحن منفصلون عن طبقة الكادحين حتى لو تحدثنا عنهم. المعرض جاء من أجل إظهار القهر اليومي الذي يعيشه هؤلاء، والتوعية تجاه حقوقهم وضرورة تأمين سلامتهم». منذ أن أكتشف بدارنة شغفه بالتصوير قبل ست سنوات، تجول في أوروبا وآسيا والعالم العربي حاملاً كاميرته. ونتاج هذا التجوال كان أربعة معارض. الأول حمل الاسم «أثر» الذي جسد الخوف من موت الأهل، والثاني «تيه»، تحدث عن الجسد ورحلة الضوء فيه، والثالث «حافة الأمل» الذي أضاء على عمالة الأطفال، وأخيراً «ترجعوا بالسلامة».

تتميز عدسة بدارنة بملاحقتها تفاصيل الحياة الصغيرة، منها المهمش والخفي، وفي أحيان كثيرة يحاول أن يسلط كاميرته على تفاصيل وضع عليها المجتمع ممنوعات عديدة، لكنّ بدرانة يرى أنّ الكاميرا تمثل محاولة للتواصل مع ما هو داخله وما هو خارج الحيز الفردي. يؤمن أنّ الصور التي يلتقطها تجسيد لما يفكر فيه ويعتقده، سواء في صور الناس المهمشين أو في توثيق التفاصيل الصغيرة في حياة الناس، أو في قضايا حقوق الإنسان و«كذلك في غير المألوف». يضيف: «الكاميرا أداة أعيد فيها صياغة روحي وتجاربي». بعد عمّان، سيعود بدارنة مع «ترجعوا بالسلامة» إلى فلسطين. وفي بعض الشوارع، سوف توضع صور المعرض كي يراها العمال أثناء خروجهم إلى العمل وعودتهم منه.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها