التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شريط "بث 65": الكوفية مُمثِّلَةً شعبها

https://www.facebook.com/WsymaAlhyt?directed_target_id=0


رشا حلوة
 تشكّل الكوفية الفلسطينية (البيضاء والسوداء) الرمز الأقوى والأعمق للفلسطينيين وتاريخهم النضاليّ، ورغم التغييرات التاريخية منذ الاحتلال العام 1948 ولغاية يومنا هذا، ظلّت الكوفية أو الحطّة أحد الرموز الموحدة للشعب الفلسطيني، مع العلم وشجرة الزيتون.

فكثيراً ما يحدث، ونحن نسير صباحاً إلى أعمالنا في يومٍ عادي، أن نلمح من بعيد شاباً يلف رقبته بكوفية فلسطينية. وقد يكون ذاهباً إلى عمله أيضاً أو يتمشّى في شوارع حيفا صباحاً لاحتساء فنجان قهوة مع أصدقائه. وربّما لا يهمنا السبب، وجوده فقط يشعرنا بالأمان ويغيظ المحتلين. مُجرد السير في شارع حيفاوي أو عكاوي بالحطّة، هو أحد أشكال المقاومة، كالبقاء والوجود.


في فيلمه "بثّ 65" الصادر قبل 48 ساعة من إحياء الذكرى الخامسة والستين للنكبة، يظهر وسيم خير ماشياً أو راكضاً، لكنه ثابت في المكان نفسه، لا يتحرك. حركته الوحيدة، تلاعب في شكل "الحطّة" على مدار الدقائق الخمس تقريباً (مدة الفيلم). يبدأ الفيلم والحطّة على رأس خير، على طريقة الفلاحين، دلالة على المجتمع الزراعي الذي عاشته غالبية الفلسطينيين.

من ثم يغير موقع الحطّة، يضعها على وجهه، ليصبح ملثّماً كالمقاومين إبان الانتفاضة الأولى. تغيير شكل الحطّة يستمر طوال الفيلم، إضافة إلى حركة جسده، فتارة يكون منحنياً، وتارةً شامخاً.. معبّراً بالجسد أيضاً عن حالة الفلسطيني وفقاً للمرحلة التاريخية في نضاله. من الانتفاضة الأولى، تحملنا حطّة وسيم خير إلى "اتفاقية أوسلو"، فتُوضع على الكتفين. ثم إلى مرحلة النضال السلمي، فيلف بها خصره... إلى الإنتفاضة الثانية... حتّى تصبح الحطّة منتجاً للموضة والأزياء تُباع بألوان مختلفة وتحمل ماركات عالمية.
وسيم خير، ابن قرية البقيعة الجليلية والمقيم في حيفا، يستعرض تاريخ نضال الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال، ولغاية يومنا هذا، من وجهة نظره. يطرح رؤيته للمستقبل. يقول لـ"المدن": "أؤمن بالفنّ المقاوم، وأنّ الفنّ يأتي من الناس ويعود إليهم. أردت من خلال هذا الفيديو أن أقوم بمراجعة لتاريخ شعبنا من النكبة، حتى اليوم. من دون دور الضحية. فقط كي أسأل، ونسأل أنفسنا:لوين رايحين؟"

يعتمد خير في الفيديو محورين. الأول، سماعي يضم موسيقى عمل عليها الفنان الياس غرزوزي، إضافة إلى مقاطع من خطابات جمال عبد الناصر وياسر عرفات. والثاني، مرئي، يضم مقاطع بصرية من مراحل تاريخية، وأخرى لوسيم خير (الممثل) وإلى جانبه جدار أبيض، وتشاركه الحطة/الكوفية في التمثيل كشخصية رئيسة في هذا الفيلم القصير.
ينجح الفنان الفلسيطني في إيصال فكرته واستخدام "الحطّة" كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، في سرد قصة نضاله أينما كان، سواء في فلسطين الحقيقية أو في اللجوء. إلى أن يصل إلى الجزء الذي يتحوّل فيه شكل الحطّة إلى تلك التي يستخدمها اليهودي في صلاته، "وذلك للدلالة إلى أسرَلة قسم من الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة العام 1948"، يقول خير.

إلا أن الإشكالية في هذا الجزء تكمن في شقين. الأول، إنه فجأة يسلط الضوء على جزء من الشعب الفلسطيني فقط، المتعرّض لـ"الأسرلة" المباشرة منذ 65 عاماً. والثاني هو ربط اليهودية (طقس الصلاة) بالأسرَلة. ومع إدراك خير للبلبلة الناتجة عن هذا الجزء، يقول: "رغم هذا الجزء المستفز من الفيديو، وهو رؤيتي وأيضاً توقعاتي المستقبلية، أختتم الفيلم بالحلّ الوحيد الذي أراه لهذه الأرض، وهو تحرير فلسطين"، مجسداً ذلك بحمله الحطّة بيده على شكل كامل التراب الوطني.

أُنتج العمل ذاتياً، ضمن المجموعة الفنّية "وسيم عَ الحيط"، والتي تضم صاحب المبادرة وسيم خير، ومجموعة من الممثلين والكُتاب والموسيقيين والنشطاء المؤمنين بالفنّ المقاوم. يأتي إنتاج الفيديو امتداداً لمشاريع عديدة يعمل عليها خير بشكل مستقل، في إطار يسمح له بتقديم كلّ أفكاره بلا خوف وبلا تدخلات ناتجة عن سلطة ثقافية أو سياسية في مضمون العمل، بحسب وسيم: "أقدّم قصص الناس وأحكي عنهم ولهم، ولا أريد أن أتاجر بها مقابل مردود مادي. كما أؤمن بأن السياسي يطلق صوته من مكانه، أستطيع الحديث عن قضيتي والنضال من أجلها من خلال منصتي ومجالي الفنّي".

www.youtube.com/watch?v=cNbeiZUEReI


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها