التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كتب فلسطينية في الأسر



  رشا حلوة

على مدار 48 دقيقة يروي فيلم "السرقة العظمى للكتب" لبيني برونر المقيم في هولندا منذ سنوات قصة آلاف من الكُتب التي سرقها الاحتلال الصهيوني من بيوت الفلسطينيين ومكتباتهم إبان الاحتلال عام 1948 ووضعها في "المكتبة الوطنية الإسرائيلية". الفيلم يروي قصة الكتب وأصحابها ويلتقي بعضهم مشكّلاً بذلك صفعة ليس فقط  للصهيوني الذي ما زال يردّد بأن "الفلسطينيين شعب بلا ثقافة"، بل الأهم أنه يصفع إدعاء "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
فكرة العمل على الفيلم الوثائقي الذي أنتجته "الجزيرة الدولية" جاء بعد اطّلاع المخرج على اكتشاف الدكتور جيش عميت، الذي يعمل في جامعة بئر السبع، عما يقارب 30 ألف كتاب جرى نهبها من بيوت ومكتبات فلسطينية خاصة، ومعظمها ذو قيمة تاريخية وأدبية، وقد وضعت في "المكتبة الوطنية الإسرائيلية بعد أن صُنّفت تحت ختم AP وهي اختصار لـ (Abandoned property) أي "ممتلكات متروكة"، والتي هي أيضاً تصبّ تحت قانون "أملاك الغائبين" الذي من خلاله يتعامل الكيان الصهيوني مع كلّ ما بقي من أملاك اللاجئين الفلسطينيين إن كانوا داخل الأراضي المحتلة منذ 48 (اللاجئون في وطنهم) أو الأراضي المحتلة منذ 67 أو الشتات. وتسمية الكتب بـ "ممتلكات متروكة" تصبّ أيضاً في ادعاء بأن أمناء "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" وغيرهم من الصهاينة لا زالوا يؤمنون بأن سرقة هذا الكمّ من الكتب جاء لمصلحة الكتب والحفاظ عليها ولولا هذه الخطوة لاندثرت الكتب. إلا أن الفيلم، والبحث الذي سبقه، يسلّطان الضوء على أن سرقة الكتب مخطط لها. وفي مذكّرة أمين المكتبة الوطنية الإسرائيلية شلومو شومني بتاريخ 26 تموز/ يوليو 2012 نقرأ: "تم لغاية اليوم جمع نحو 12 ألف كتاب وأكثر.. جزء كبير منها جاءت من مكتبات أدباء ومثقفين فلسطينيين".
في حديث خاص مع مخرج الفيلم، بيني برونر، قال إنّ المحفّز الأساسي للعمل على الفيلم تمثّل بالنسبة إليه في سرد الجانب الثقافي المفقود للنكبة، وهو ما تمثله الكتب المنهوبة. ويضيف: "إن التدمير الثقافي الذي جرى في العام 1948 لم يكن جزءاً من التاريخ الذي قرأته، فقد تم حذف المراكز التي أنتجت الثقافة الفلسطينية من سجلات النكبة". معتبراً أن قصة الكتب المنهوبة تشكل نقطة انطلاق نحو قول القصة الأكبر عن الثقافة الفلسطينية ما قبل العام 1948. 
يرتكز المخرج في فيلمه على عرض الوثائق التي وُجدت وصور من الأرشيف وحوارات مع باحثين وكُتّاب وكذلك مع من سُرقت مكتباتهم الخاصة؛ مثل الكاتب الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي والكاتب محمد البطراوي الذي حدثنا مخرج الفيلم بأن اللقاء والحوار معه كان من أكثر اللحظات المؤثرة، ويضيف: "الرجل العجوز الذي نهبوا سقف وبلاط بيته كان رجلاً إذ حافظ على إنسانيته وإيمانه بخير الإنسان، برغم ما فعل الإنسان به". كان الكاتب الذي رحل عنا في آذار/ مارس 2011 أحد رموز الثقافة الفلسطينية المقاومة، وقد قضى سنوات عديدة من حياته كناشط سياسي في سجون الاحتلال والسجون العربية كذلك.
وكما هو متوقع، أثار الفيلم حفيظة غالبية الجمهور الإسرائيلي الذي اعتبر أن الفيلم ومخرجه هما بمثابة "وصمة عار لدولة إسرائيل". وكان المخرج قد عاد  قبل أيام من جولة عروض في الجامعات الأمريكية التي نُظمت من أجل تحفيز النشطاء والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وفي رام الله، عُرض الفيلم في مركز خليل السكاكيني بداية العام الجاري، وبالطبع أثار شعوراً من الأسى والغضب. لكن المهم في هذه المرحلة، أن لا تتوقف المسألة عند الشعور تجاه الفيلم، بل أن تتحول إلى ضغط على الجهات الثقافية الفلسطينية، كما الأصوات التي ارتفعت أخيراً، مطالبة باسترجاع كافة الكُتب وإعادتها إلى أصحابها، خاصة حين يمكن اللعب بورقة اليونسكو الآن، إلى أن تسترجع البيوت وعلى رفوفها الكتب التي سُرقت منها قبل 65 عاماً بالضبط.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها