التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الناس، وإلى الناس يعود..

باب في رام الله- الصورة بعدسة: رفيا سليمان

حمل الشباب معه منذ ثورة تونس ريح التغيير، حملها كشعلة تضيء سماء هذا العالم. ليقف متظاهراً في وسط لندن رافعاً لافتة كُتب عليها: تظاهر كالمصري!

أراهم كأنهم يجوبون الشوارع كلّها؛ في تونس، السويس، القاهرة، حماة، درعا، المنامة، صنعاء، بيروت، عكّا ورام الله يطلقون صرختهم الأولى والمستمرة: هذه البلاد لنا.

أن يحتفي مهرجان "وين عَ رام الله" ثقافياً وفنياً بعودة الشباب إلى العالم، وإلى مراكز صنع القرار.. من خلال الموسيقى، المسرح، الفنون البصرية، الأدب والشعر. هي إعادة اعتبار لما خطت وتخط أقلام الشباب الفلسطيني في الوطن والشتات؛ في فلسطين "الحقيقية" وليست التاريخية فقط.

خصصت هذه المساحة مرتين؛ مرة الأسبوع الماضي ومرة هذا المساء للشعراء وللكتاب الشباب وحدهم، هذه منصتهم التي كما قال شاعرنا غسان زقطان قبل أسبوع: كما لو أن الأولاد عادوا الى البيت. لا يميز هذه الأمسية بأنها للشعراء الشباب فحسب، ولكن هذا اللقاء ما بينهم وبين الجمهور، هذا الفضاء الواسع التي أتاح إعادة تقريب الشعر إلى الناس، إلى جمهوره الأول والأخير، هي محاولة تستحق التقدير لسدّ الهوة ما بين الشعر والناس والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة، فكان الشعر في المنابر الثقافية المكتوبة والمغلقة ومؤخراً الافتراضية فقط.. إلا أنه من الناس وإلى الناس يعود.

والأهم، أن هذه الأمسيات لم تنحصر على شعراء وكُتاب من مكان جغرافي واحد، رام الله أو نابلس أو الخليل، إنما أهمية إحضار شاعرة من الجليل إلى هُنا، وشاعر في مخيم خان الشيخ إلى هُنا، شاعر يقيم في ستوكهولم إلى هُنا أيضاً- وبالإذن من زياد الرحباني: "نشكر الله عنا إنترنت!" فهذه هي رسالتنا إلى العالم، وإلى الاحتلال، وإلى كلّ من حاول جاهداً على مدار 63 عاماً أن يضع الحدود والحواجز فيما بيننا، لا ولن يقوى أحد على أن يعزل الجسد عن نفسه، سيجد الفلسطيني دائماً الوسائل لأن يحتضن صديقته اللاجئة في "عين الحلوة"، إلا أن تعود إلى بيتها وتكون هُنا بيننا ترسم على جدران المدينة.

لا تنحصر الأمسيات فقط على شعراء فلسطينيين، بل سيكون معنا هذه الليلة شاعراً من الجولان السوري المحتل، فمنذ الاحتلال عام 1967 مُنعوا من أن يكونوا جزءاً من المشهد الثقافي السوري بشكل جسديّ، فهم معنا.. في فلسطين كلّها، هذا الوطن الأم الثاني.

الجيل الجديد من الشعراء، والكتاب، والفنانين والمثقفين الفلسطينيين ليسوا بعيدين عن الهمّ الجماعيً وعن قضيتهم الإنسانية الأولى فلسطين، إلا أنهم أيضًا مشغولون بالهمّ الخاص والتفاصيل اليومية. وهم بلا شك جزء من أمتهم العربية ووطنهم العربي، حريصون دائماً على التواصل معه بكافة الوسائل، والحديثة منها خاصة التي سهلت لهم الوصول إلى أشقائهم في الوطن العربي ومشاركتهم قضاياهم وإيصال صوت فلسطين الحقيقي إليهم، وأيضاً مع أبناء شعبهم في غزة المحاصرة.

سيكون معنا هذا الليلة أسماء عزايزة- دبورية، غياث المدهون- ستوكهولم، محمود ماضي- غزة، طارق العربي- نابلس، أنس أبو رحمة-رام الله وسليم أبو جبل- مجدل شمس/ الجولان السوري المحتل.

مساء الخير رام الله..

*كلمتي في افتتاح أمسية قراءات شعرية لشعراء فلسطينيين شباب في فلسطين والشتات ضمن مهرجان "وين عَ رام الله"، يوم الاثنين 25 يوليو 2011

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها