التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سناء موسى تعود بنا إلى «سفر برلك»// رشا حلوة

أطلقت سناء موسى أخيراً أسطوانتها الأولى «إشراق». العمل هو الثمرة الأولى من بحث طويل، آثرت خلاله تجميع أغنيات تراثية فلسطينية، عن نساء فلسطينيات تجاوزن السبعين. راحت تسمع منهن ألحاناً قديمة، كانت ترافق طقوساً حياتية مختلفة قبل الاحتلال عام 1948، من طقوس الفرح، والفراق، والوداع، إلى الغزل، والحرب، والثورة، والزواج، والولادة، والتهاليل، والوحدة... اهتمام سناء موسى بتلك الأغنيات، بدأ مذ كانت في الرابعة، تجلس بجانب جدّتها، وهي تصبغ القماش الأبيض بلون أزرق. كانت جدتها تغني مقاطع من «سفر برلك» ثم تبكي. «إشراق» عمل استرجاعي لتلك الكلمات التي بقيت أصوات النساء الفلسطينيات تصدح بها رغم مرور كلّ تلك السنين.

اختارت الفنانة عشر أغنيات من أرشيفها، وجمعتها في أسطوانة. ولم يرتكز عملها على تجميع أغاني الأعراس فقط، بل سألت نفسها: أيعقل أننا نغني للفرح فقط؟ ماذا عن أغاني الفراقيات؟ «حيواتنا كفلسطينيين مركبة من طقوس مختلفة. لمسة الحزن موجودة في معظم أغانينا، حتى الفرحة منها، وهذا انعكاس للواقع السياسي والاجتماعي الذي عشناه وما زلنا نعيشه كفلسطينيين»، تقول موسى. كان من الصعب أن تجد موسى نساءً يحفظن أغاني الحزن.
«التقيت بنساء يعرفنها، لكنهنّ رفضن غناءها، لأسباب دينية. فالغناء على الميت اليوم أمر مكروه، وممنوع خصوصاً إن حوت الأغاني نوعاً من الاعتراض على القدر».
نجد في الأسطوانة أغنيات «نيالك ما أهدا بالك»، و«إنت إبن مين يللي جسرت علي»، و«دولة سفر دولة»، و«يا أهل العريس»، و«طلت البرودة»، و«لسكن مصر»، و«عينه ملانة نوم»، و«وعيونها»، و«رمانك يا حبيبي» و«سفر برلك»، وقد اختارتها موسى لأنّ مواضيعها مميزة وكلماتها صادقة... وإلى جانب الأعمال المغناة، تضمّ «إشراق» قصّة كلّ أغنية، وكيف تناقلتها النساء عن الأمهات والجدات.
أما الموسيقى وتوليفها وتسجيلها، فهي ثمرة ورشات دامت شهوراً عدة، وجمعت سناء بالموسيقيين بشارة الخلّ ومحمد موسى. عمل الثلاثة على الأجواء التي تريد سناء إيصالها من خلال كلّ الأغنية، وعلى الآلات الموسيقية المستخدمة، وطبيعة الإيقاع، وطريقة الغناء وطابعه. هكذا، اختلط الجديد بالقديم تحت راية إحياء الموسيقى التراثية الفلسطينية.
رافق بعض المقطوعات كورس غنائي مكون من نساء فلسطينيات في الستين، إضافة إلى بعض الشابات. توظيف هذه الأصوات خاصة في أغاني الأعراس جاء كي يضيف جواً حقيقياًَ، ويمكننا أن نسمع العزف على الفخارة، وتصفيق النساء، ورنين الأساور والزغاريد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها