التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دواوين باريسية// اليوم الأول


وصلنا باريس تمام الواحدة ظهرًا بتوقيت فلسطين، الثانية عشر بتوقيت مدينة الأنوار، تنتظرنا تاكسي خارج المطار، سائقها جزائري؛ توتره الملحوظ إزاء تأخر ميعاد وصولنا كان واضحًا عليه، ومن غير المألوف أن يتوتر سائق تاكسي ينتظر مسافرين عبر الخطوط الجويّة-التأخر هو عامل متوقع لدى مواعيد السماء- إلا إذا كان جزائريًا يوم 13.6.2010 يريد أن ينهي عمله قبل موعد لعبة كرة القدم لفريق الجزائر في المونديال.

ساعات الأولى بعد الهبوط لم تسنح لنا فرصة استيعاب فكرة باريس أو اكتشاف المكان الذي نقيم فيه، منسوب النعاس المتراكم منذ أكثر من 24 ساعة كان سيد الموقف، ورغبة الغوص في سرير كبير لغرفة باريسية تطل على أحد أكثر الشوارع ازدحامًا وضجة، قد حققت ذاتها.

اتصال لصديق موسيقي فلسطيني يسكن المدينة أيقظني؛ شو جاي تنامي في باريس؟ ابتسمت لسؤاله، أغلقت سماعة الهاتف واتجهت نحو الحمام، نظرت إلى وجهي في المرآة، لازال مبتسمًا- ولك إنت في باريس!

قهوة باريسية سريعة برفقة صديقي، أنتظر وإياه باقي المجموعة قاصدين موعد ما، مع موسيقي آخر؛ لبناني يعيش في فرنسا منذ أكثر من عشرين عامًا- أصبح المنفى كـ"بلاطة الهوى"*، يلتقي بها الفلسطينيّ بأعضائه الأخرى التي انتزعوها من جسده غصبًا!

"غرفة صغيرة وحنونة"، هي ذات الغرفة التي تتنقل من مدينة إلى أخرى، بين مجموعات الأصدقاء المختلفة أينما تواجدوا، بها "روح المكان" ذاتها تلوّن نفسها وفقًا لتفاصيل هامشية، تدعي بأن شكلها يتغيير أحيانًا، إلا أن متذوقيها الدائمين يعرفون أنها "دايمًا هي ذاتها"- خاصة، بعد انتهاء سهرة ما حين تنهال عليها (أي على الروح) الشتائم الطيبة الصادرة عن الهلاك.

غرفة باريسية تمامًا، الوقت يقترب إلى التاسعة مساءً، يتقلص الكلام عند إلتقاء موسيقيين؛ فيصبح الحوار من خلال الآلات، وتران على البزق الشامي المصنوع قبل 14 عامًا، يدٌ تعزف عليهما بالقرب من "القمرة"، على القمرة شمس منقوشة، تشتعل من الموسيقى وتُخرِج الغرفة من جغرافيتها لتعيدها إلى بلاد الشام.

منتصف الليل، نخرج من الغرفة إلى الشارع الباريسي من جديد، عتمة غطت المدينة منذ أقل من ساعة، طقس باريس المتقلب في منتصف حزيران أيضًا يعيدك إليها سريعًا و"الكريب" الفرنسي الذي لا يشبع المعدة.

-ولِك إنتِ في باريس!

14 حزيران 2010

باريس

*بلاطة الهوى؛ هو اسم المكان الذي اعتاد العشاق أن يلتقي فيه في قرية "كفربرعم" المهجرة- شمال فلسطين.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها