التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«يوسف» شاهداً على عواقب التاريخ المُميتة

(كيث باتيسون)

مسرحية أمير نزار زعبي عرضت في مختلف أنحاء فلسطين، وعادت أخيراً من جولتها اللندنيّة... قبل أن تشدّ رحالها مجدداً إلى أوستراليا وأميركا والأرجنتين. رحلة أركيولوجيّة في ذاكرة النكبة، بعيداً عن الشعار السياسي


عكا ــ رشا حلوة


عاد طاقم مسرحية «إذ قال يوسُف» من جولته على خشبة مسرح Young Vic في لندن، حيث قدّم 22 عرضاً متواصلاً، وأثار اهتمام الجمهور البريطاني والعربي، وأوساط النقاد والإعلام. كذلك حاز جائزة أفضل عرض مسرحي لتلك الفترة، من قبل صحيفة «تايم آوت» و«غارديان»، وقالت عنه الـ«إندبندنت»: «تذكّرنا هذه المسرحية بأنّنا ما زلنا نحيا اليوم في ظل عواقب التاريخ المُميتة».
المسرحية التي قدّمت بالعربية والإنكليزية، هي من تأليف أمير نزار زعبي وإخراجه، ترجمها إلى العربية عامر حليحل، وهي ثمرة إنتاج مشترك بين فرقة «شبر حرّ» الفلسطينية ومسرح «يونغ فيك» في لندن. يروي العمل حكاية قرية فلسطينية صغيرة اسمها بيسمون. تعود قصة القرية إلى زمن النكبة وما خلّفته الحرب، والاحتلال والتهجير من آثار انعكست على حياة أهالي تلك القرية الجليليّة. يحكي العمل قصة الشاب علي وعلاقته المركّبة بشقيقه يوسف الذي يعاني من إعاقة عقلية. إنّها، أيضاً، قصة عشق فتيّة بين علي وحبّه الأول ندى... حب مستحيل حاصرته التقاليد والخوف، وكان مصيره الضياع بسبب النكبة.
بعيداً عن الشعارات المتكررة، تأتي «إذ قال يوسُف» لتروي قصة الفلسطينيين وما حلّ بحياتهم الطبيعية أيام الاحتلال الأولى من خلال قصة إنسانية ولغة نزار أمير زعبي الشاعرية. مسرحية تستعيد أيضاً التفاصيل الصغيرة التي تتمحور حياتنا حولها: علاقة الإنسان بأخيه، وحبيبته، وبيئته الطبيعية، وجيرانه، وأستاذه، وشجرته التي يقلعها من أرضه، ويحملها على كتفيه ويأخذها معه إلى الخيام. هو لا يقبل أن يكون «زردة بقلب جذع كبير»، يرفض أن يتخيّل مشهد رجل وامرأة عاشقين احتلا بيته للتوّ، ويجلسان تحت شجرته، ويتعانقان، ويرسمان أحرف اسميهما عليها ثم يبنيان سريراً لابنهما من خشب جذعها المتين.
تدور أحداث المسرحية على أرضية من الماء رمزاً للضياع والغرق. ويمزج المخرج في عمله بين قصّة النبي يوسف عندما ألقاه إخوته في البئر وقصة النكبة. يقول أمير نزار زعبي: «القصص الدينية جزء من ثقافتنا. أنا لم أتطرّق هنا إلى الموضوع الديني في القصة، بل أردتُ أن استخدم ما تحمله من إيحاءات تفيد العمل المسرحي». أما


الممثّل الفلسطيني البارز يوسف أبو وردة الذي يؤدّي دور «يوسف المُسّن»، فيقول: «اعتدنا مسرحاً فلسطينياً يطرح قضايانا من خلال الشعارات السياسية والمواجهة المباشرة. إلا أن هذه المسرحية تحكي قصتنا بأسلوب مختلف. تحكي عنّا، عن الناس وما حصل لهم إبان الحرب وبعدها. هي تتساءل عن مصير هؤلاء الناس. أنا كإنسان لاجئ من قرية كفربرعم اقتُلع من أرضه وبيته، أعاني في حياتي من دون أن أكره أو أمسّ أحداً».
ولعلّ ما يجعل «إذ قال يوسُف» أكثر تلاحماً مع الفلسطينيين وهمومهم، هو أنّها مشروع محلّي صرف، بدءاً من النصّ والتمثيل والإخراج، إلى الموسيقى والقصة. يبدأ المخرج من حيفا وناسها، ثم يأخذنا من فلسطين 2010 إلى فلسطين 1948. يجعلنا العرض نعي مجدداً أنّ حياتنا اليوم هي امتداد لما حصل منذ زمن النكبة. ما زلنا نعيش «بيسمون 1948» بأساليب وقصص مختلفة.
جولتان في فلسطين، وجولة في لندن، واهتمام عالمي بالمسرحية، سيحملها طاقمها قريباً للمشاركة في مهرجانات عالمية: من «أديلاييد» في أوستراليا، إلى «بوينس آيريس» في الأرجنتين، فـ«سان فرانسيكو».... وإلى أن تصبح بيروت «أقرب» من الأرجنتين، سيبقى «يوسف» مسافراً مع أهالي قريته، يحكون قصة بيسمون للعالم... بيسمون النكبة التي ما زلنا نعيشها وما زالت هي تعيشنا.



شبر حرّ

فرقة «شبر حرّ» الفلسطينية للمسرح، فرقة مستقلة تأسست عام 2008 في حيفا، وكان إنتاجها الأول مسرحية «عطسة.. ومسرحيات أخرى» لأنطوان تشيخوف، ومن إخراج نزار أمير زعبي. اختارت الفرقة أن تُنتج أعمالاً بمجهودها الخاص من دون دعم خارجي، وتعمل في الأساس على تطوير أدواتها الفنّية. عن الفرقة، يقول عامر حليحل الذي يقوم بدور «يوسف الشاب»: «يتكوّن طاقم الفرقة من فنانين وفنانات لا يبحثون عن فرص عمل، بل عن كيفية تطوير أدواتهم الفنية، يجمعهم همّ واحد هو خلق مشهد مسرحي فلسطيني بأرقى المستويات وباستقلالية تامة».

www.shiberhur.org

الأخبار
عدد السبت ١٥ أيار
٢٠١٠

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها