التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عشيّة أمسيتها في حيفا: كاميليا جبران، بين الهيبة والاشتياق للقاء جمهورها

Photographer: Antoine Gresland

حاورتها: رشا حلوة


تعود إلينا بعد غياب طويل، صوتها يفرض علينا ذاك الشوق القديم كلّ مرة من جديد حين نسمعه. قبل سبع سنوات اختارت لها طريقًا آخر يرافقه الصوت ذاته القادر من جديد أن يجعلنا نحب موسيقى لربما لم نكبر عليها ولم نسمعها في صباحات بلادنا، لكنه بالتأكيد وُلد هنا؛ في عكا، الرامة والقدس، يحكي عنا بأسلوب آخر وينجح من جديد أيضًا بأن يوصل قصصنا إلى أماكن بعيدة. صاحبة هذا الصوت، تعود اليوم لتروي لنا عن "مكانها" الجديد محملةً بالشوق واللهفة لهذا اللقاء.

مهرجان "بيت الموسيقى" خريف 2009 يحتفل بالسنوية العاشرة لتأسيس "بيت الموسيقى" ويستضيف فيه لهذا العام واحتفاءً بها أيضًا، الفنانة الفلسطينية كاميليا جبران في كونسرت موسيقي خاص بعنوان "مكان".

يقام هذا اللقاء في حيفا يوم 21 تشرين الثاني 2009، إذ تعود إلى الكرمل لتلتقي بنا/به من جديد..ونحنّ بلا شك مثلها، أو أكثر، على عجَل.

وُلدت كاميليا جبران في مدينة عكا، لوالدين فلسطينيين من قرية الرامة في الجليل الأعلى. الياس جبران، والد كاميليا، صانع الآلات الموسيقية الأصلية ومُدرس للموسيقى، كان المصدر الأول لابنته في ما يخص الموسيقى الكلاسيكية الشرقية.

بدأت كاميليا جبران مسيرتها الموسيقية وهي في الرابعة من عمرها، حيث تعلمت دروس العزف الأولى على العود والقانون على يد والدها.

انتقلت إلى القدس عام 1981، وانضمت إلى الفرقة الموسيقية الفلسطينية "صابرين" عام 1982 وهي الفرقة التي أسسها الموسيقي الفلسطيني سعيد مراد . في القدس، وطوال عشرين عامًا كانت تجربة "صابرين" إحدى أهم التجارب الغنائية العربية المعاصرة، والتي كانت كاميليا جبران عموداً رئيسيًا فيها.

في عام 2002 انتقلت كاميليا جبران إلى سويسرا واتجهت إلى أساليب موسيقية جديدة حيث بدأت تجربتها الفنية المستقلة، معبّأة بكل تجاربها السابقة كمغنية وملحنة . تجسّد ذلك بشكل أساسي في مدينة "بيرن" عندما قدمت عمل "محطات". وفي عام 2004، صدر لها عمل ثنائي بعنوان "وميض" بالتعاون مع الموسيقي السويسري فيرنر هاسلر؛ موسيقي متخصص في الموسيقى الالكترونية. ومؤخرًا، مطلع عام 2009، صدر لها ألبوم "مكان"، ويتألف من تسع أغان من تلحينها؛ لنصوص كتبها سلمان مصالحة، حسن نجمي وآخرون برفقة آلة العود.

* حصلتِ على منحة موسيقية ربيع عام2002 من قبل مؤسسة سويسرية. ما هو الشيء الذي جذبك لتبقي هناك؟
كاميليا: اقتُرح عليّ من قبل أحد المسارح في مدينة "بيرن" بأن أقدم عملاً موسيقيًا جديدًا لمهرجان ينظمه حول الثقافة العربية المعاصرة، في خريف عام 2002. شكّل هذا العرض الموسيقي بالنسبة لي نوعًا من التحدي والتحفيز لخوض تجربة جديدة، وهذا الأمر تطلب مني البقاء في "بيرن" لإنجاز المشروع.

*عندما قررت كاميليا جبران أن تأخذ مسارًا موسيقيًا آخر وترحل إلى أوروبا. ماذا احتوت تلك المرحلة من مشاعر تجاه "البداية" الجديدة؟ هل تعتبرينها اليوم بمثابة مجازفة؟
كاميليا: المشروع الذي تحدث عنه في سؤالك الأول أطلقتُ عليه اسم "محطات". وهو بمثابة أول تجربة موسيقية فردية أقوم بها. لا شك بأنها كانت مجازفة على عدة أصعدة، وقد شعرت في تلك المرحلة بالخوف وعدم الثقة ولكني مع ذلك قررت أن أمضي قدمًا.

*لماذا اخترت مدينة باريس؟ واليوم، بعد سبع سنوات على الأقل، ماذا أعطتك مدينة الأضواء من الناحية الموسيقية والحياتية؟
كاميليا: سبق أن سنحت لي الفرصة بأن أتعرف على هذه المدينة، سواء من خلال العروض الموسيقية التي قدمتها مع صابرين أو من خلال زياراتي لبعض الأصدقاء. وكنتُ قد بدأت بتعلم اللغة الفرنسية أثناء إقامتي في مدينة القدس. وهذا الأمر ساعدني كثيرًا في التعامل معها لاحقًا. وبما أن باريس لا تبعد كثيرًا عن بيرن، قررت أن أخوض تجربة العيش فيها. تُقدم هذه المدينة الكثير، وخاصة على المستوى الثقافي. هذا الثراء مهم جدًا لكل من يبحث عن آفاق جديدة.

*حديثنا عن موسيقاك الجديدة. ما هي التقنيات الموسيقية التي تستخدمينها؟
كاميليا: لا استخدم تقنيات بالمفهوم التكنولوجي للكلمة. لكني اعمل مع من يستخدم هذه الآلات، وبالتحديد مع فرنر هاسلر الذي بدأ معه العمل المشترك في مشروع "محطات" ويستمر لغاية الآن. ما أعمل عليه هو أني أحاول البحث عن أساليب تعبير جديدة سواء في التلحين أو الأداء.

*لماذا اخترت دمج الشعر الحديث والنثر؛ جبران خليل جبران، سلمان مصالحة، بول شاؤول وغيرهم مع موسيقاك؟
كاميليا: كوني اعمل عي مجال الأغنية، فالنص مهم جدا بالنسبة لي. اهتمامي من حيث النص يدور حول ما يُكتب الآن، سواء كان ذلك شعرًا أم نثرًا.

*في أحد الحوارات قلت: الموسيقى الالكترونية تعطيني حرية للتعبير عن نفسي، (وهي) حالة لم أجدها في الآلات الموسيقية الطبيعية". لماذا؟
كاميليا: في مرحلة احتجت لمساحة تتيح لي حرية التفكير، بعيدا عمّا هو مألوف لدي، أصوات الآلات الطبيعية عادة تأتي محملة ومشحونة بألوانها وطابعها، وهذا ما حاولت التعامل معه بحذر وبالتحديد في بداية تجاربي الفردية. حملت الأصوات الالكترونية مساحات مغايرة، وخاصة التي استخدمها فرنر هاسلر، الذي يعمل بمنتهى الحذر عند تصميمه واختياراته للأصوات، وقد استطعت التعامل معها بشكل حيادي أو مجرد. كان هذا الأمر مهمًا جدا بل أساسيًا، احتجته وقتها سواء في عملي معه أو بشكل عام.

*لماذا أسميت العمل الموسيقي الجديد، "مكان"؟ وأين تلتقي أماكنك الخاصة مع المضامين الموسيقية فيه؟
كاميليا:في المرحلة التي عملتُ فيها على "مكان"، لم يكن لدي مكان خاص بي. خلال فترة العمل، وهي ثلاث سنوات، تنقلت كثيرًا وشكلت كلّ أغنية عملت عليها المكان الذي شعرت فيه بنوع من التوحد والالتمام على نفسي، ومن هنا جاءت فكرة الاسم. وقد تم تسجيل الأغاني في أماكن مختلفة وبطريقة تتواصل مع هذه الحالة أو تنقلها.

*ما بين "وميض" (2004) و "مكان" (2009) أين يكمن الاختلاف النوعي- من ناحية النص، الموسيقى والتأليف؟
كاميليا: الفرق الأساسي هو أن "وميض" عمل ثنائي، بينما "مكان" هو عمل فردي. ويظهر ذلك في الجانب الموسيقي بشكل واضح. بالإضافة إلى أن النصوص أخذت كذلك اتجاهًا فرديًا وخصوصيًا في "مكان" أكثر منه في "وميض". كذلك، هناك فارق الزمن بين العملين، أي التجربة.

*كيف يتجاوب الجمهور غير العربي مع موسيقى كاميليا جبران؟
كاميليا: بشكل عام تتشابه ردود فعل الجمهور العربي وغير العربي نوعًا ما، مع اختلاف الأسباب
فإما التقبل أو عدم التقبل لمثل هذا النوع من الموسيقى.

*كانت تجربتك الأولى خارج البلاد مع "محطات" والتي تُشكل المراحل الثلاث الأساسية التي مررت بها موسيقيًا؛ الأولى، البداية مع الموسيقى الكلاسيكية، الثانية مع فرقة "صابرين" والتي وصفتها بمرحلة التساؤلات حول اليقين والمرحلة الثالثة، الآنية، والتي وصفتها أيضًا بالتساؤلات. هل ترى كاميليا جبران نفسها كالمتسائلة دومًا في الأساليب الموسيقية؟
كاميليا: أرى أن التساؤل المستمر ضروري على الأقل بالنسبة لي، خاصة وأني لا اعمل على إيجاد حلول أو استخلاص نتائج معينة تأتي كل مرحلة تساؤلات وتؤدي بالمقابل إلى تساؤلات جديدة .


*نقلت كاميليا جبران إلى العالم من خلال تجربتها مع "صابرين" الوجه الإنساني والثقافي للإنسان الفلسطيني وبالمقابل الوجه المتألم نتاج الوضع السياسي الذي يعيشه.هل تروي كاميليا جبران من خلال موسيقاها اليوم القصص ذاتها؟ وهل أضافت إليها قصصًا أخرى؟
كاميليا: من الصعب الابتعاد عن الواقع الذي نعيشه، والذي لا يزال الكثير من الشعراء يعالجونه في كلماتهم، بالطبع، ولحسن الحظ ، كلّ بأسلوبه وعباراته.

*لماذا انقطعت بشكل أو بآخر أخبارك عن جمهورك الفلسطيني في الداخل؟ وما هي مسؤوليتنا (كمؤسسات ثقافية وبالطبع كإعلام) تجاه ابقاء هذا التواصل سليمًا ومتكررًا نحو لقاءات موسيقية أكثر؟
كاميليا: جزء من الانقطاع كان محض اختيار وحاجة، وذلك في فترة السنوات الأولى التي انتقلت فيها إلى أوروبا، والجزء الآخر لأسباب لا تتعلق بي مباشرة .

*يوم 21 تشرين الثاني 2009 سوف تلتقين بمحبيك وجمهورك المشتاق في البلاد، في حيفا تحديدًا، ماذا يشكل هذا اللقاء بالنسبة لك؟
كاميليا: تنتابني هيبة أو رهبة كبيرة، وذلك منذ أن تلقيت الدعوة من جمعية "بيت الموسيقى". لعلها تطغى على اشتياقي، لا اخفي عنك ذلك، لكني بالطبع أنتظر اللحظة بفارغ الصبر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها