التخطي إلى المحتوى الرئيسي

احذر/ي..موسيقى أمامك!




*عن فيلم "Checkpoint rock" وجولته الأولى في فلسطين*

// رشا حلوة

انتهت قبل أسبوع جولة عروض الفيلم Checkpoint Rock ، "حاجز الصخرة"، بعد أن بدأت الجولة في مدينة رام الله، مرورًا بحيفا، عكا وأخيرًا الناصرة.
فيلم "حاجز الصخرة" هو من إخراج المغني و المنتج الموسيقي فرمين موجوروزا والمخرج الوثائقي خافير كوركويرا، فيلم يروي قصة شعب وأرض من خلال الموسيقى، من خلال فنانين وفرق فلسطينية من مناطق مختلفة؛ دام، خلص، أمل مرقص، عربيّات، ولّعت، حبيب الدّيك، مثنّى شعبان، شادي العاصي، صابرين، بي.اّر و الثّلاثي جبران.
لم تكن جولة العروض عادية، إذ أن طاقم الإنتاج قرر أن يتجول بالفيلم في فترة قصيرة ليشمل مناطق مركزية ومختلفة في فلسطين، مضيفًا إلى برنامج العروض أمسيات فنية وموسيقية تضم معظم الفرق والفنانين المشاركين في الفيلم.
افتتحت الجولة في مدينة رام الله بالعرض الأول للفيلم في مسرح القصبة، وتلته أمسية فنية في موقع آخر لكلّ من فرقة "عربيات"، "دام"، "خلص" و فرمين موجورزا وأغنيته الشهيرة "يالله يالله رام الله".


// موسيقى لا تضرب الجدران فقط..

الفيلم يروي قصص بعض من الفنانين والفرق الفلسطينية، من شتى العوالم الموسيقية؛ الشرقية، الغربية (كالروك والهيب هوب) والزجل الشعبي.
الفيلم مركب من 11 مقطعا، أي انه خصّص مقطعًا لكل فرقة/فنان، وكل مقطع يحتوي على قسمين؛ حوار وموسيقى.
يرافق المقاطع كلها سهيل نفّار من فرقة الهيب هوب "دام"، صوتًا وحضورًا، يروي عن الموسيقيين والأمكنة، يحكي قصصهم من وجهة نظره الخاصة وبلهجته اللداوية المتميزة.
يرتكز الفيلم بمجمله على الموسيقى الخاصة بالفرق والفنانين أكثر من الحوار معهم، فالموسيقى هي المحور الأساس، وهذا نابع تساؤلات فرمين موجوروزا العديدة حول حياة الفلسطينيين، ومنها: كيف يعبّر الموسيقيون الفلسطينيون عن مشاعرهم من خلال الموسيقى؟
اليوم، بعد خروج الفيلم إلى النور، يعتقد موجوروزا بأن الموسيقيين الفلسطينيين قادرين على أن ينقلوا صورة واضحة عن حياتهم السياسية، الاجتماعية والإنسانية من خلال الموسيقى.. ويعتقد أيضًا بأن الصورة هذه تُنقل من خلال موسيقى ذات جودة عالية.
ما يميز الفيلم هو اختيار أنماط موسيقية مختلفة من أجيال مختلفة أيضًا، فعدم التركيز على نمط واحد وجيل واحد من الموسيقيين يعطي شرعية أكثر لمقولة الفيلم الأساسية وللجسر الممتد ما بين الفنانين من المناطق الفلسطينية المختلفة. إذ أنه بالرغم من اختلاف الأنماط الموسيقية عن بعضها البعض، موسيقيًا وتاريخيًا، إلا أن الكلمة التي ترافق هؤلاء الفنانين وهذه الموسيقى منبعها واحد، تحكي قصص الناس الذين عاشوا ولا زالوا يعيشون على هذه الأرض منذ ستين عامًا، تحكي قصصهم محاولة لنقل صورة حياة الفلسطينيين أينما كانوا إلى العالم، وإلى بعضنا البعض.
حين شاهدت الفيلم في مسرح اللاز في عكا، كان التصفيق يعلو كلما انتهت أغنية أو مقطوعة موسيقية.. لقد نجح فرمين موجوروزا وطاقم العمل بإخراج الأغاني خارج الشاشة وجلبها إلى منصة وهمية أمام الجمهور، تجعلهم يصفقون حين تنتهي الأغنية. وتجعلهم يعيشون الأغاني وما وراءها من قصص لا تزال تروى كلّ يوم من جديد.

// الأمسية الموسيقية الأولى في رام الله..
كانت الأمسية يوم أربعاء، أي منتصف الأسبوع تقريبًا. عادةً، يخرج الشبان والشابات إلى السهر آخر أيام الأسبوع، وآخر الأسبوع يمنح متسعًا من السهر من دون حسابات حول ساعات الاستيقاظ الصباحية..
وتأتي الصدف أحيانًا أن تختار مجموعة من الشابات والشبان الذهاب والسهر في رام الله، أي السفر مسافة ما يقارب الثلاث ساعات من أجل السهر فقط، رحلة تستحق ذلك بالتأكيد.. لكن كما قلت سابقًا، تؤخذ هذه القرارات عادةً آخر أيام الأسبوع.
إلا أن العرض الأول لفيلم "حاجز الصخرة" ومن ثم الأمسية الموسيقية حملَ عشرات السيارات من حيفا، عكا والناصرة باتجاه رام الله.
البعض ذهب لمشاهدة الفيلم، وقسم آخر انضم لاحقًا إلى الأمسية لقضاء وقت برفقة ما لا يقل عن 300 شخص، موسيقى وليل رام الله الجميل.
رأيت من المهم أن أكتب عن هذه الليلة، وعن أن التواصل ما بين الشعب الواحد قادر أن يموّل ذاته بالحبّ من دون مساعدات "خارجية" ولا تحت غطاء مشاريع مدروسة، ممولة أو تحتاج إلى أجندة.. إنها مشاريع تأتي بالفطرة بين أبناء الشعب الواحد، رغم كلّ حواجز الاحتلال.

// المشاركون في الفيلم
كما ذكرت في بداية مقالي، فالموسيقيون المشاركون عبارة عن مزيج من أساليب وتجارب موسيقية عديدة. والفيلم مبني على الموسيقى والأمكنة وما تعبر عنه هذه الموسيقى من قصص تاريخية، شعبية، اجتماعية وحياتية. جميع الفرق والموسيقيين أعطوا الفيلم طابعًا خاصًا بدون شك، لكن هنالك ملاحظة أود ايرادها حول مسألة انتقاء الفرق والموسيقيين.
تتواجد في الفيلم ثلاث فرق هيب هوب فلسطيني، كان يمكن اختيار فرقة واحدة بدلا من ثلاث (وفقًا لما يراه المخرج والطاقم مناسبًا)، أو إذا كانت مدة الفيلم تسمح بإضافة موسيقيين آخرين وإبقاء فرق الهيب هوب على ما هي عليه (فأنا لا أنتقص من أهمية أحد ولكني أرى بأن هنالك نقصا ما في شمل قدر المستطاع التجارب الموسيقية الفلسطينية). مثلاً، فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، والتي في رصيدها ألبومان موسيقيان؛ زغرودة وظريف الطول (التوزيع لطارق الناصر ولكن الموسيقيين فلسطينيين والأصوات فلسطينية)، سهيل خوري وأغاني الأطفال، والعديد من الأسماء التي لن أتمكن من ذكرها جميعًا في كافة المناطق الفلسطينية، التي تصنع الموسيقى الفلسطينية، ساهمت وتساهم منذ سنوات عديدة في تمييز المشهد الموسيقي الفلسطيني والارتقاء به، وهي تجارب تستحق الذكر بالطبع.
وهذا بالإضافة إلى أن هنالك موسيقيين فلسطينيين خارج الوطن، لهم موسيقاهم الخاصة، لكنهم جزء لا يتجزأ من هذا الجسر.. أعلم أن مدة الفيلم محدودة بعض الشيء، لكن لكل عقبة هنالك حلول فنية!

// فرمين موجوروزا
وصل الموسيقي الباسكي فرمين موجوروزا قبل بداية جولة العروض بيومين، فرافق طاقم الإنتاج في كافة عروض الفيلم والعروض الموسيقية.
فرمين موجوروزا هو أحد أبرز المغنين ومنتجي الموسيقى في اسبانيا، أوروبا و أمريكا الجنوبية. ومن أشهر أغانيه أغنية "يالله يالله رام الله" و هي ثمرة تجربة مرّ بها عام 2002، عندما كان ضمن مجموعة فنانين ساهموا في صد الحصار على القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المقاطعة.
لفرمين ومبادرته الممتازة كلّ الشكر، لقد جاء من مكان بعيد جغرافيًا فقط لكي يحكي قصة شعب من خلال موسيقاه وينشرها في العالم.. يعزز تضامن الشعوب مع القضية الفلسطينية، ولربما يعرّف عنها لمن لم تلمس قصص الحق قلبه بعد.
كان حضوره طوال الوقت ضروريًا وأعطى للجولة منحى خاصًا، إذ أنه رافق الموسيقيين خلال العمل على الفيلم ورافقهم والناس إبان وصول الفيلم إلينا، فالفيلم وما يحتوي داخله من فن هو رسم لملامح الناس وقصصهم التي تستحق التوثيق.
شكرًا فرمين..
نُشر في مجلة "فلسطين الشباب"/ عدد اكتوبر 2009

تعليقات

  1. جميلة مدونتك او جميل عالمك فكوني جميلة
    adoola

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن "البحر بيضحك ليه؟" ومراحل الحياة..

عكّا، بعدسة: نادر هواري أغنية "البحر بيضحك ليه"، من كلمات الشّاعر نجيب سرور، ألحان وغناء الشّيخ إمام عيسى، هي الأغنية الملائمة لكلّ مراحل الحياة. لا يهم المرحلة إنّ كانت سعيدة أو حزينة، فيها أمل أو خيبة، قلق أو راحة، كلما سمعتها تشعر بأنها تُغنى لك. تحكي معك.. الأغنية لا علاقة لها لمن يعرف البحر أو لا يعرفه، سواء كان البحر قريبًا أو وبعيدًا.. هي قادرة أن تحمل لك مشاهد بصريّة مختلفة كلما سمعتها، تحمل معها وجوهًا عديدة وذكريات.. وكأنك كلما تسمعها تشعر بأن الزّمن توقف. لا يتحرك. كأن حالتك المرافقة لها حين سمعتها قبل 5 أعوام، مع ناس أو من غيرهم، تشبه حالتك حين تعيد سماعها اليوم، لوحدك أو مع آخرين.. والأجمل، بأنك تدرك تمامًا بأن حالتك هي، المرافقة لسماع الأغنية، تمامًا كما الملايين من عشاق الأغنية ذاتها. هي أغنية الطبطبة على الروح.. وحاملة المقولة الوجوديّة الأبديّة: ولسّه جوا القلب أمل.

أحد أطفال "كفرون"؛ يزن أتاسي: "نحنا ما منشبه بعض"

حاورته: رشا حلوة كان ذلك في العام 1990، حين قال له والده: "بدنا نروح مشوار"، لم يخبره إلى أين، "كنت رفيق أبي كتير وأنا وصغير، بروح معه على الشغل، وقالي رايحين مشوار، وبشكل طبيعي ركبنا بالسيارة، وصلنا على مكان قريب من مدرستي وفتنا على بناية، بكتشف بعد ما فتت إننا وصلنا على مكتب دريد لحّام"، يقول الفنان السوري يزن أتاسي في حوار خاص لمجلة "الحياة"، أجريناه عبر السكايب. ويزن أتاسي (1980) هو أيضاً "وسيم"، أحد الأطفال الذين مثلوا أدوار البطولة في فيلم "كفرون" لدريد لحّام، الذي سيتمحور معظم حديثنا عن تجربته فيه، التجربة الشخصية والفنّية لطفل في فيلم سوري، قبل 24 عاماً، كان لها أحد التأثيرات الكبرى على جيل كامل عاش طفولة التسعينيات. " هنالك معرفة بين دريد وأبي"، يقول يزن، "بس أنا انسطلت، لأنه أول مرة بحياتي بشوفه وجهاً لوجه، هني بحكوا وأنا مسحور لأني قاعد قدام غوار الطوشة!". بعدها خرجا من المكان، لا يذكر يزن الحديث الذي دار بين والده ودريد لحّام، ويعتقد أيضاً أنه كان قد قابل أخته نور أتاسي قبله، وهكذا وقع القرا

ريم بنّا.. التهليلة الفلسطينية الباقية

(رشا حلوة ) أذكر أني سمعت الفنانة الفلسطينية ريم بنّا لأول مرةٍ حين كان ربيعي يلامس العشرة أعوام، لا أعلم كيف وصل كاسيت "الحلم" إليّ، أو ربما لا أذكر. كان الوقت صيفًا في عكا، في غرفتي المطلة على البحر. أذكر بأني ناديت على أمي لتشاركني سماع الكاسيت، فسمعنا سويةً "يا ليل ما أطولك" وبكتْ أمي حين أخذتها التهليلة إلى كل الحنين الذي حملته معها منذ أن هُجّر أبوها من قريته الجليلية حتى ساعة انتظار العودة، التي طالت. ترتبط ريم بنّا في روحنا وذائقتنا بالتهليلة الفلسطينية والمورث الشعبي الفلسطيني. فهي أول من أعادت غناء وإحياء التهليلة الفلسطينية واحترفتها حتى يومنا هذا، بما في ذلك ضمن ألبومها الأخير "مواسم البنفسج- أغاني حُب من فلسطين"، والذي يحتوي على تهليلة "أمسى المسا"، المرفوعة إلى اللاجئين الفلسطينيين. بدأت ريم تهتم بالغناء التراثي الفلسطيني حين كانت لا تزال في المدرسة، يوم طُلب منها أن تحفظ أغاني تراثية لمهرجان تراثي في مدرستها، ونصحتها والدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ أن تغني التهليلة الفلسطينية التي لم يغنّها أحد بعد. شعرتْ وقتئذٍ أن التهاليل تلائم صوتها